فصل: تفسير الآيات (138- 146):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (100- 101):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [100- 101].
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أي: من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء. لأنهم كانوا يعتقدون في أصنامهم أنهم شفعاؤهم عند الله. وكان لهم الأصدقاء من شياطين الإنس. فما أغنوا عنهم شيئاً. كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] قال الزمخشري: والحميم من الاحتمام وهو الاهتمام، وهو الذي يهمه ما يهمك. أو من الحامة: بمعنى الخاصة. وهو الصديق الخاص. وفيه معنى الحدة والسخونة. كأنه يحتدّ ويحمى، لحماية خليله ورعايته، والقيام بمهماته. وهذا هو الذي قيل: إنه أعز من بيض الأنوق وإنه اسم بلا مسمى.

.تفسير الآيات (102- 104):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [102- 104].
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} أي: رجعة إلى رجعة إلى الدنيا: {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من نبأ إبراهيم: {لَآيَةً} أي: لحجة وعظة أراد أن يستبصر بها ويعتبر. وتقدم ما قاله الزمخشري في بديع سياقها: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ} أي: أكثر قوم إبراهيم: {مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} أي: بإنزال الكتب وإرسال الرسل، لدعوة خلقه إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم.

.تفسير الآيات (105- 111):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [105- 111].
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} لأن تكذيب واحد كتكذيب الكل، لاتفاقهم في أصول الشرائع. وهو نفي الشريك وإثبات البارئ وتوحيده. أو لأن المراد بالجمع الواحد: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} يعنون من كان وضيع النسب قليل النصيب من الدنيا. فإن الشرف لديهم بالمال والنشب، والحسب والنسب، لا بالأخلاق الفاضلة. والملكات الكاملة. التي تحمل على تعرف الحق والتوجه إليه. ثم اعتناقه والمحافظة عليه. وأكثر ما تكون الأخلاق في مثل المستضعفين. إذا قام عليهم ناصح أمين. إذ لا مال يطغيهم. ولا جاه يلهيهم. وذلك من العناية الربانية فيهم.
قال الزمخشري: وهكذا كانت قريش تقول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما زالت أتباع الأنبياء كذلك، حتى صارت من سماتهم وأماراتهم. ألا ترى إلى هرقل حين سأل أبا سفيان عن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال: ضعفاء الناس، قال: ما زالت أتباع الأنبياء كذلك. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (112):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [112].
{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} جواب عما أشير إليه من قولهم إنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة. أي: وما عليّ إلا الظاهر والله يتولى السرائر.

.تفسير الآيات (113- 118):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [113- 118].
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي} أي: ما حسابهم على أعمالهم، إلا على ربي المطلع على ضمائرهم: {لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} أي: المشتومين أو المرميين بالحجارة: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} أي: احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا.
قال الزمخشري: الفتاحة: الحكومة. والفتاح: الحاكم. لأنه يفتح المستغلق. كما سمي فيصلاً لأنه يفصل بين الخصومات. وفي التهذيب: الفتح أن تحكم بين قوم يختصمون إليك. قال الأشعر الجُعْفِيّ:
ألا مَنْ مُبْلغٌ عمراً رسولاً ** فَإِنِّي عن فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ

{وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

.تفسير الآيات (119- 128):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [119- 128].
{فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} أي: فيما فعلنا بهم لعبرة وعظة لمن بعدهم: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ عَادٌ} وهم قوم هود عليه السلام: {الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} أي: مكان مرتفع، بكسر الراء وفتحها: {آيَةً} أي: علامة: {تَعْبَثُونَ} أي: ببنائها لا للحاجة إليها. بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة. ولهذا أنكر عليهم ذلك. لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة. واشتغال بما هم في غنى عنه. وبما في الشغف به انصراف عن الجد في العمل، وصرف للأموال في غير ما خلقت له، من النظر للنفس والأهل والدين.

.تفسير الآية رقم (129):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [129].
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} أي: منازل وقصوراً: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي: راجين الخلود في الدنيا إشارة إلى أن عملهم ذلك، لقصر نظرهم على الدنيا والإعجاب بالآثار، والتباهي بالمشيدات والغفلة عن أعمال المجدّين البصيرين بالعواقب، الصالحين المصلحين.

.تفسير الآية رقم (130):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [130].
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} أي: تأخذون بالعنف والشدة، كبراً وعتوّاً. يقال: بطش به أي: أخذه بالعنف والسطوة، وتناوله بشدة عند الصولة، يصفهم عليه السلام بالقسوة وعدم الرحمة والشفقة.

.تفسير الآيات (131- 134):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [131- 134].
{فَاتَّقُوا اللَّهَ} أي: فيما آمركم به من التوبة والإيمان: {وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أي: فاشكروا نعماءه وارعوا بتقواه آلاءه.

.تفسير الآية رقم (135):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [135].
{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أي: إن لم تقوموا بواجب شكرها: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآية رقم (136):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [136].
{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} أي: فإِنا لن نرعوي عما نحن عليه.

.تفسير الآية رقم (137):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [137].
{إِنْ هَذَا} أي: ما هذا الذي نحن عليه: {إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} أي: عادتهم. كانوا يدينون به ويعتقدونه. فنحن بهم مقتدون. أو ما هذا الذي جئتنا به إلا عادة الأولين. كانوا يلقفون مثله.

.تفسير الآيات (138- 146):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} [138- 146].
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أي: على ما نحن عليه من الأعمال: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} أي: بريح صرصر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} أي: من الموت والزوال والعذاب.
قال الزمخشري: يجوز أن يكون إنكاراً لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم لا يُزالون عنه. وأن يكون تذكيراً بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات وغير ذلك، مع الأمن والدعة. وقوله تعالى: {فِي مَا هَاهُنَا} أي: في الذي استقر في هذا المكان من النعيم. ثم فسره بقوله:

.تفسير الآيات (147- 153):

القول في تأويل قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [147- 153].
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} أي: لطيف لين: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ} أي: بطرين. وقرئ {فرهين} وهو أبلغ. وقيل: فاره من فَرُه بالضم، بمعنى حذق. وفَرِه صفة من فره كفرح، بمعنى أشر وبطر: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} أي: الذين سُحِروا حتى غلب على عقولهم.

.تفسير الآيات (154- 166):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [154- 166].
{مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ} أي: نصيب من الماء: {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} أي: فاقتنعوا بشربكم ولا تزاحموها على شربها: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: لعظم ما تسيئون.
قال الزمخشري: عظم اليوم لحلول العذاب فيه، ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب. لأن الوقت إذا عظم بسببه، كان موقعه من العظم أشد: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} أي: الموعود، وهو أن أرضهم زلزلت زلزلاً شديداً، وجاءتهم صيحة عظيمة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} أي: مجاوزون حدّ الحكمة في ترك محل الحرث، الحافظ للنسل، الذي به حفظ النوع البشريّ، وإيثار ما لم يخلق لذلك، شَرَهاً في الشهوة الحيوانية، ومكافحة لتغيير الأوضاع الربانية.
ونقل السيوطيّ في الإكليل عن محمد بن كعب القرظيّ، أن معنى الآية: تذرون مثله من المباح. فاستدل بذلك على إباحة وطء الزوجة من دبرها. انتهى.
وخالفه غيره. فاستدل بها على حظره. وبيانه كما في الكشاف وحواشيه أنّ مِنْ إِمَّا تبيين لما خلق، أو للتبعيض. ويراد به العضو المباح منهن، تعريضاً بأنهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم. ومن الوجه الثاني يستدل على حظر إتيان المرأة في غير المأتى. وتقريره في الانتصاف أن مِنْ لو كانت بياناً لكان المعنى حينئذ على ذمهم بترك الأزواج. ولا شك أن ترك الأزواج مضموم إلى إتيان الذكران. وحينئذ يكون المنكر عليهم الجمع بين ترك الأزواج وإتيان الذكران، لا أن ترك الأزواج وحده منكر. ولا كان الأمر كذلك، لكان النصب في الثاني متوجهاً على الجمع. وكان إما الأفصح أو المتعين. وقد اجتمعت العامة- عامة القراء- على القراءة به مرفوعاً ولا يتفقون على ترك الأفصح إلى ما لا مدخل له في الفصاحة، أو في الجواز أصلاً. فلما وضح ذلك تبين أن هذا المعنى غير مراد. فتعين حمل مِنْ على البعضية. فيكون المنكر عليهم أمرين. كل واحد منهما مستقل بالإنكار: أحدهما إتيان الذكران. والثاني مجانبة إتيان النساء في المأتى، رغبة في إتيانهن في غيره. وحينئذ يتوجه الرفع لفوات الجمع اللازم على الوجه الأول، واستقلال كل واحد من هاتين العظيمتين بالنكير. انتهى.
ومثله من دَقيق الاستنباط الذي يوسع المدارك ويفتح للتفهم أبواباً، وإن أمكن أن يقال إن سياق الآية في الملام لهم، أعمّ مما ذكره ومن غيره. والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (167):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [167].
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ} أي: عن تقبيح أمرنا: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} أي: من قريتنا عنفاً، إذ لا تجانسنا.

.تفسير الآيات (168- 169):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [168- 169].
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} أي: المبغضين غاية البغض. أي: فأنا أرغب في الخروج عن دياركم، والراحة من مجاورتكم، لبغضي لعملكم، الآيل بكم إلى الدمار وخراب الديار. ولذا أتبعه بقوله: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي: من شؤمه وغائلته.

.تفسير الآيات (170- 171):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ} [170- 171].
{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً} وهي امرأته. كما بينت في آيات: {فِي الْغَابِرِينَ} أي: مقدّراً كونها من الباقين في العذاب. لأنها كانت راضية بعمل قومها.
لطيفة:
قال الناصر في الانتصاف: كثيراً ما ورد في القرآن، خصوصاً في هذه السورة، العدول عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة. ثم جعل الموصوف بها واحداً من جمعٍ. كقول فرعون: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [29]، وقولهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [136]، وقولهم: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [116]، وقوله: {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [168]، وقوله تعالى في غيرها: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87]، وكذلك: {ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 86] وأمثاله كثيرة والسر في ذلك، والله أعلم، أن التعبير بالفعل، إنما يفهم وقوعه خاصة. وأما التعبير بالصفة، ثم جعل الموصوف بها واحداً من جمع، فإنه يُفهم أمراً زائداً على وقوعه. وهو أن الصفة المذكورة، كالسمة للموصوف ثابتة العلوق به. كأنها لقب. وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات الرديئة. واعتبر ذلك لو قلت: رضوا بأن يتخلفوا، لما كان في ذلك مزيد على الإخبار بوقوع التخلف منهم لا غير. وانظر إلى المساق وهو قوله: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} كيف ألحقهم لقباً رديئاً، وصيرهم من نوع رذل مشهور بسمة التخلف، حتى صارت لقباً لاحقاً به. وهذا الجواب عام في جميع ما يرد عليك من أمثال ذلك. فتأمله واقدره قدره: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} أي: أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه.